دعوة للحراك

بإمكاننا توفير العيش الكريم لنا جميعا وبناء مجتمع متساوٍ يحترم به افراده بعضهم بعضا ويعطي حيّزا لكل فردٍ يعيش به. مجتمع كهذا يختار الحياة السلمية، والعدالة الاجتماعية والاستقلالية لكلا الشعبين ويحيا به كل فرد بأمان حقيقي, ويحظى بأحقية لمسكن لائق، ولتربية نوعية، ولصحة جيدة، ولمصدر رزق عادل، ولشيخوخة كريمة.  بإمكاننا ان نعمل معا من اجل بناء مجتمع كهذا.

تقوم الحكومة الاسرائيلية  بخلق واقع خانق والمتمثّل بالاحتلال والسّيطرة على شعبٍ آخر وبهذا تغذي العنف اللانهائي والخوف والحقد بين شرائحه. من الملاحظ ان الفجوات القائمة بين فئات المجتمع  آخذة بالاتساع بلا توقف وأن الفقر يزداد ويتجذّر، والضواحي المهمشة تواجه محناً مزمنة  والأقلية القوميّة العربيّة تعاني من التمييز العنصّري ونشاهد العديد من الأقليات الأخرى  المُستبعدة والمستضعفة:  كالنساء واليهود الشرقيين والمهاجرين من اثيوبيا والاتحاد السوفيتي سابقًا والمثليين والمسنين وذوي الاحتياجات الخاصة. ويضطر العمّال  الأجيرون الى العمل لساعات أطول بأجرٍ بخيس ومتآكل، ويجبرون على مواجهة غلاء المعيشة الآخذ بالارتفاع دائما.

​

كل هذه الفئات محرّضّة واحدة ضد الأخرى  عن طريق التفوهات العنصريّة والترهيبية، الصّادرة من مكاتب الوزراء ومن رئيس الوزراء بنفسه. بدلًا من طرح بدائل وحلول حقيقية لواقع العنف وانعدام الأمن الخاص، يعدونا يوميا بالحروب. عوضّا عن القيام  بخدمة المواطنين، تدعم الحكومة أصحاب الأموال المقربين منها وهي بعيدة كل البعد عن هموم الناس, وبين الكرّة والاخرى نشهد  فضائح على فساد اعضائها ولهثهم وراء المتعة, والنتيجة هي  انخذال الشعب من السّياسة والقبوع بحالة يأس. لا شك ان المجتمع في اسرائيل يمّر بأزمة عميقة ينبغي معالجتها.

نحن نؤمن أنه رغم هذه الأزمة ورغم هذه الحالة السيئة، ما زال هناك مكان للأمل وهذا يحث الكثيرون  للمطالبة بمجتمعٍ عادل. هناك كم هائل من المبادرات والنّشاطات والنضالات التي تعبّر عن ذلك : نقابات عمّاليّة ونضالات نسويّة وتعاونيات ومبادرات مشتركة للعرب واليهود ومجموعات محليّة وقطريّة تناضل ضد الاحتلال ومن اجل المساواة والعدالة الاجتماعية لليهود والعرب، وهناك ناشطون يناضلون ضد اضطهاد الاثيوبيين، وهناك ايضا مجموعات احتجاج للعمل من اجل الحق بالسكن المؤمن والعدالة والمساواة مع الضواحي المهمّشة، وحراكات ضد خصخصة الخدمات الاجتماعية والموارد الطبيعية ومبادرات للحفاظ على البيئة ونشاطات تطوعيّة وغيرها. هذه المبادرات تبث فينا الأمل والاعتزاز رغم وحشية الحكومة, ورغم  بأسها وجبروتها، ولذا  علينا ألا نستخف بقيمة هذه النشاطات والمبادرات  فهي الاثبات  بأننا نستطيع خلق واقع اخر ولأنها هي  الركيزة المتينة لأي تغيير سياسي.  

لكن من أجل ذلك، هناك حاجة لحراك يضم هذه النّضالات  وتحويلها الى قوة كبيرة تغيّر المجتمع. هناك العشرات من الجمعيّات التي تقوم  بنشاطات في غاية الأهميّة، كل في مجالها تعمل من اجل احقاق العدالة الاجتماعية وحقوق الانسان والمساواة للأقليات. لكن,  غالبا لا تتطرق  الجمعيّة التي تعمل من اجل المحافظة على البيئة لموضوع سد الفجوات الاجتماعية، هذا بالرغم من العلاقة الوطيدة بين سلطة أصحاب الأموال وبين التلوث البيئي الضار للطبيعة وللصحة. كما ان جمعيّة التي تعمل في مجال حرّيّة الصّحافة، لن تتطرق لنقد الاحتلال، بالرغم من العلاقة الوطيدة بين الاحتلال والسيّطرة العسكرّيّة المتواصلة على الشعب الفلسطيني وبين الحد من الحريات الديموقراطيّة في المجتمع الاسرائيلي ذاته. علاوةً على ذلك، لا تسعى الجمعياّت لأن تتحول الى بيت سياسي للمئات أو للآلاف ولهذا نرى ان  الجمعيّات لا تجند المجتمع  ككتلة واحدة وتحاول تفعيلها.

كان من المفروض ان تقوم الأحزاب بعرض رؤية ايديولوجية شاملة لحل المشاكل الاجتماعيّة وان تكون عنوانًا لكل من يريد  الانخراط في العمل من أجل التغيير السًياسي لكنها  تجد صعوبة كبيرة بتجنيد المجتمع وتفعيله.  لذا ،  وبوجود هذا الفراغ الواسع بين الجمعيّات من جهة والأحزاب من جهة اخرى، يتواجد كم هائل من الأشخاص الذين يريدون الّتغيير: يسعون للّسلام  ويعارضون الاحتلال، ويعملون من اجل المساواة وضد العنصرّيّة، من اجل العدالة الاجتماعيّة وضد وحشيّة الرأسماليّة – إلا أنه حتى اليوم لم يكن هناك اي حراك يجمعهم معًا وينظمهم ويفعلهم ويجعلهم قوّة كبيرة ومؤثرة.    

"نقف معًا" تحاول أن تكون هذا الحراك. حراك ينمو ويزدهر ويبني بديلًا يرتكز على قيم اشتراكيّة: بيت مشترك لكل من يرفض  نسخ النماذج الموجودة اليوم في الواقع الاسرائيلي – نشاطات  منفصلة لليهود والعرب وتقوقع واستعلاء اجتماعي وطائفي وانعزالية داخل حدود القبيلة وضبابية في المواقف والقيم وحقد وانسلاخ بدلًا من التّعاطف والتّضامن. لن نعبأ بمدى اختلافنا الواحد عن الآخر وسنسعى للوقوف معًا رغم اختلافنا في الرأي. حان الوقت لكي نتوقف عن الخضوع والاستسلام  وآن الأوان لكي نبدأ بالعمل معًا. لن نتجاهل الفروقات القائمة بيننا فيما يتعلق بالهويّة او تعريف الذات او الانتماء الحزبي. بل سنحترمها ونعطيها مكانتها، لكن على أساس هذه التعدديّة والاختلافات سنبني رؤية مشتركة. ونتفق على المستقبل الذي نريده معًا.

​

نريد ان نبني معًا حراكًا يكون بيتًا مشتركًا ومكانًا لنا جميعًا.